يكوت

 

إن قبيلة «يكوت» قبيلة تكنية تنتمي إلى لف «أيت الجمل » ( 1) . ويقال إنها من القبائل الأمازيغية التي استعربت، في حين هناك قول بكونها عربية وأصلها من الحجاز. على أي لا يمكننا الجزم مع غياب معطى تاريخي حقيقي، ولكن يمكننا القول إن «امزاويك» ذي أصول إدريسية، وقد لجأ جدهم لقبيلة «يكوت» وطلب جوارها، فلهذا نجد كلمة «امزاويك» يعني «مزاوك»؛ أي طالبا لحرمتك.
وكانت «يكوت» من المجموعات القبلية التي خضعت للاستعمار الإسباني إبان مجيء الضابط كبات Capaz لاحتلال مرسى «سيدي إفني»، ولتنضم بعد ذلك للمركز العسكري الإسباني بـ«طانطان».
تتميز بتنقلها وراء قطعان الإبل والغنم، ما بين «درعة السفلى» وأعالي «واد الساقية الحمراء» عند منطقة «واد أكسات»، ومن منطقة «لحميدية » غرب مدينة «طانطان» إلى «آيرار» و«جبل زيني» شرقا، كما يتردد أفراد وعائلات «يكوت» على الأسواق السنوية بـ«واد نون» «أمكار» حيث يبيعون الجمال، ويشترون ما يحتاجون إليه في ترحلهم من أثواب، وسكر، وفارينة، وشاي، ...إلخ.
وتعد تربية الماشية نشاطا أساسيا عند القبيلة، ولذلك كان يحتل مالك قطيع الإبل مكانة متميزة داخل المجتمع، بالإضافة إلى تربية الخيول ( 2) .
كما تعتبر «هضبة زيني» مجالا حيويا عند قبيلة «يكوت» بفعل مراعيها الخصبة، خاصة عند سقوط المطر، حيث تتوفر نقاط الماء والأعشاب والأشجار لرعي الجمال من طلح وأركان. فمرتفع زيني هذا يتدفق منه «واد تلمزون» الذي يصب في «واد درعة»، وعليه تقع بلدة «تلمزون» التي تعد من أهم مناطق القبيلة، حيث يوجد الماء الصالح للشرب بكثرة، الشيء الذي مكن من إقامة بعض الزراعات منذ ثلاثينيات القرن العشرين مثل: زراعة البشنة، لكن النزاعات الداخلية مع «أيت أوسى» لم تمكن من تطوير تلك الزراعة، كما توجد هناك غراسة أكناري «الصبار»، ويوجد بهذه البلدة بعض الآثار ما قبل التاريخية، بالإضافة إلى الموقع الاستراتيجي الذي جعل الإسبان يؤسسون بها مركزا للمراقبة العسكرية ( 3) .
ومن نقاط الماء المهمة في مجال ترحال «يكوت» نجد: «لميلح» الذي يبعد ستة كيلومترات عن «تلمزون»، ثم «حاسي تماليحت» على بعد ثلاثة كيلومترات، ويوجد بالقرب منه «تعسالت»، ثم منخفض «بنخليل» إلى أن نصل منطقة «لبطينة» حيث يصب «واد بوشويبة» الذي ينطلق من «أخنك مسعود» الذي يوجد في وسطه «بئر لغزالة» الصالح للشرب. ومن آبار هذه المنطقة «طانطان» الذي كان عبارة عن نقطة عبور للقوافل ما بين «واد نون» و«طرفاية».
وكل هذه الوهاد والأودية ستلتقي في منطقة قرب «واد درعة» تدعى «اكرارت لحمير»، كما تتوفر قبيلة «يكوت» على نقاط ماء أخرى في «واد فراح» الذي يعد من روافد «واد الشبيكة» الذي توجد في أعاليه «اكرارت تنورار»، والتي تعد من أهم مناطق زراعة الحبوب عند التساقطات المطرية، وهي «اكرارة» واسعة يسقيها «واد تادايغ» النازل من «جبل آيدر». وإن «يكوت» يترحلون في مجمل هذه المنطقة إلى حدود «الساقية الحمراء» ( 4) .
وخلال العقد الثاني من القرن العشرين تنقلت القبيلة نحو الجنوب، حيث وصلت مضاربها منطقة «كدية إيجيل» شرق «تيرس» فانتجعوا مراعي المنطقة، وأقاموا بها مدة طويلة
ويحد قبيلة «يكوت» مجموعة قبائل قوية أهمها: «الركيبات»، و«أيت أوسى»، وبها مجموعة من الصلحاء الذين تعظمهم، بل منهم من يعتبروه جدهم الجامع وهو سيدي أوحسون الذي يوجد مزاره في «واد فراح»، في موضع يقال له «أو وهدة». والتقاليد المروية ترى أنه ينحدر من «آيت اعزى ويهدى». ومعنى ذلك أن هذا الولي الصالح كان من المجاهدين الذين واجهوا المد الإيبيري بالمنطقة خلال القرن 16م، وهناك أيضا الولي الصالح سيدي داود الذي يوجد ضريحه بـ«تلمزون»، ثم إبراهيم أو مسعود المدفون في «جبل زيني» ( 5) .
وتعد «يكوت» من القبائل المنتشرة خارج مجالها الأصلي المحدد سابقا، حيث نجد منهم فرعا في منطقة «الرحامنة» موزع على طائفتين، هما: «يكوت الغرابة»، و«يكوت العرب» التي تنتمي إلى قبائل «سلام»، هذه الأخيرة تشكل مع «أولاد سلامة»، و«أولاد بوبكر»، و«البرابيش»، و«اللواتة»، و«الحشاشدة» قبيلة «الرحامنة» ( 6) .
كما نسجت «يكوت» علاقات مع مجموعة من القبائل مثل: «آيت موسى وعلي» خاصة «أهل بيروك»، وبعد ذلك مع «آيت لحسن»، ثم مع «الركيبات» حيث ربطتهم علاقات الجوار والمصاهرة بعد مغادرتهم للف «آيت الجمل» من اتحادية تكنة ( 7) . فقد تزوج موسى بن اعلي بن سيدي أحمد الرقيبي من امرأة من يكوت وولد منها القاضي والحسن والحسين، فصار كل واحد منهم علم على فخذه، يقال لهم: «أولاد القاضي»، و«أولاد لحسن»، و«أولاد الحسين» ( 8) .
وخلال سنة 1912م اضطر «يكوت» لمغادرة مجالهم الرعوي الأصلي بفعل غارات «آيت أوسى»، فانطقلوا من «جبل زيني» نحو «موريتانيا»، حيث نزلوا قرب «كدية إيجيل» في منطقة تدعى «بنعميرة»، فأقاموا لمدة سنتين وعدوا عدتهم، وتضاعفت قطعانهم من الإبل، وعادوا لغزو «آيت أوسى» لاسترداد مالهم المنهوب. كما انضموا إلى صفوف مقاومة الاستعمار الفرنسي حيث ساهموا في انهزام حملة الضابط الفرنسي موري Mouret الذي غزا «السمارة» سنة 1913م، وهناك فقدوا خمسة من الشهداء ( 9) .
وتتكون قبيلة «يكوت» من مجموعتين كبيرتين:
1ـ «آيت ياسين» التي تتكون من ثلاث فخذات، وهي: «آيت حمو»، و«أيت إيبورك»، و«لعبيدات».
2ـ «آيت حماد» التي تنحدر منها فخذة «أيت سعيد»، والتي بدورها تتفرع إلى عدة بطون وهي: «الغزلان»، و«أهل البلال»، و«لماليد»، و«أهل محمد أسعيد»، و«لبلاعيد»، و«آمساويح»، و«أهل مبارك أحمو» ( 10) . وإلى جانب هذه الأعراش توجد قبيلتي «امزاويك» و«أيت الطالب» التي يشير بول مارتي إلى كونهما من أصول غير يكوتية لكنها باتت فروعا من القبيلة ( 11) .
وكان يتزعم هذه القبيلة «اجماعة» أو «آيت أربعين»، وبعض الشيوح منهم مثلا: امبارك بن العربي من آيت سعيد، وكذلك الناجم بن بوجمعة، أو يحيى وإبراهيم ولد عبد الله، وكان هؤلاء إبان الحكم الإسباني بالمنطقة. ومن آيت ياسين برز من الشيوخ: لعروسي بن عبد الخالق الذي كان والده من قواد السلطان مولاي الحسن الأول، ومن فخذة آيت حمو وآيت إيبورك اعلي بن بالحسن المعروف بـ«أعويلي»، والعروسي ولد رحال، ومن آمساويح حمد العيلال الوعبان، وعيلال ولد الناجم. وقد تميز من آيت أسعيد الرجل الشجاع العربي ولد بوجمعة ولد رحال ( 12) .
وللجماعة دور أساسي داخل القبلة حيث تتحكم في تدبير نقاط الماء إبان التساقطات المطرية، وتؤطر القوافل الموجهة للأسواق السنوية بـ«واد نون» ونحو «آيت باعمران»، كما أنها هي التي تقرر في مجال الحرب ومواجهة الغصب الذي تتعرض له القبيلة أثناء ظعنها. وكثيرا ما تأخذ القبيلة برأي كبار السن من أعضاء «أجماعة» في القضايا المطروحة على المجتمع.
وخلال الحكم الإسباني بالصحراء اعتبرت الإدارة الاستعمارية هذه القبيلة خارجة عن منطقتي «الساقية الحمراء» و«وادي الذهب»، لذلك صنفوها في عداد ما كانوا يسمونه بـ«قبائل الشمال». رغم أنها هي وقبيلة «الزركيين» تعدان من جملة قبائل «تكنة» المتمركزة بالمنطقة المستعمرة آن ذاك. ويرى الضابط الإسباني ديل باريو Del Barrio أن «يكوت» قبيلة تحترف الممارسة الرعوية مما ساعدها على التحالف تاريخيا مع بطني «السواعد» و«أولاد موسى» من قبيلة «الركيبات»، كما يسجل أن «يكوت» يتقنون الممارسة الحربية، حيث نجحوا في المجال العسكري، وظهر فيهم جنود وضباط أشاوش وملتزمون. وتتمركز هذه القبيلة اليوم بـ«إقليم طانطان»، وبـ«إقليم العيون»، ويمارس أفرادها أنشطة اقتصادية مختلفة ( 13) .

         

 

 



 ( 1) كتاب قبائل الصحراء المغربية أصولها ـ جهادها ـ ثقافتها، لحمداتي شبيهنا ماء العينين، المطبعة الملكية، الرباط، 1419هـ/1998م، (ص88ـ89).

 ( 2) محمد دحمان، (مادة يكوت)، معلمة المغرب، نشر دار الأمان، الرباط، الطبعة الأولى 1435هـ/2014م، ملحق (ج4)، (27/682).

 ( 3) محمد دحمان، (مادة يكوت)، معلمة المغرب، ملحق (ج4)، (27/682).

 ( 4) نفسه (27/682).

 ( 5) نفسه (27/682).

 ( 6) الرحامنة القبيلة بين المخزن والزاوية، لعبد الرحيم العطري، منشورات دفاتر العلوم الإنسانية، سلسلة أبحاث ودراسات رقم(1)، مطبعة طوبس بريس، الرباط، الطبعة الرابعة فبراير 2013م، (ص17).

 ( 7) محمد دحمان، (مادة يكوت)، معلمة المغرب، ملحق (ج4)، (27/682).

 ( 8) جوامع المهمات في أمور الرقيبات، لمحمد سالم بن لحبيب بن لحسين بن عبد الحي، تحقيق وتقديم مصطفى ناعمي، تحت إشراف المعهد الجامعي للبحث العلمي، الرباط، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، (ص75).

 ( 9) محمد دحمان، (مادة يكوت)، معلمة المغرب، ملحق (ج4)، (27/683).

 ( 10) انظر: محمد دحمان، (مادة يكوت)، معبمة المغرب، ملحق (ج4)، (27/682)، وبحث آليات بناء القبيلة في الصحراء الأطلنتية: قراءة نظرية ومراجعة في الكتابات الاستعمارية، لعبداتي الشمسدي، ضمن كتاب البنيات الاجتماعية والاقتصادية بالصحراء (ص82ـ83).

 ( 11) انظر: بحث آليات بناء القبيلة في الصحراء الأطلنتية (ص83).

 ( 12) انظر: محمد دحمان، (مادة يكوت)، معلمة المغرب، ملحق (ج4)، (27/682).

 ( 13) محمد دحمان، (مادة يكوت)، معلمة المغرب، ملحق (ج4)، (27/683).