أنظر الصور

 

مسجد ابن صالح ومئذنته.

 

أسسه السلطان أبي الحسن المريني المعروف بالسلطان الأكحل في سنة 718هـ-1318م، وأوقف عليه أوقافا كثيرة. وفي سنة 1080هـ-1669م، جدده السلطان مولاي الرشيد العلوي، وأمر بتأسيس المدرسة التي بإزائه. ثم رممه السلطان سيدي محمد بن عبد الله، كما جدد قبة الشيخ سيدي محمد فتحا بن صالح [1].

نعلم من نقش في عين المكان أن أشغال بناء المئذنة بدأت في أواخر شهر غشت 1321 (شعبان 721)، ولا ريب أن ذلك كان بمبادرة خاصة، لأن اسم سلطان الوقت، وهو أبو سيعد عثمان (1310-1331/ 710-731)، ليس مذكورا في اللوح المنقوش، ومع ذلك لا نستطيع أن نؤرخ لبناء المسجد. قال المداح ابن مرزوق، والعهدة عليه: بناه السلطان أبو الحسن (1331-731/ 1348-749) الذي ولي بعده، وعلى ذلك أيضا ابن المؤقت، لكنه لحسن الحظ تناقض تناقضا ساذجا، إذ جعل سنة 718/18- 1319 هي سنة بناء المسجد، ومن المنطقي أن يبنى المسجد قبل المئذنة، فلذلك لا نجد ما نعترض به عليه، إلا أننا نأسف لعدم معرفة مصدر ذلك الخبر. إذن، هذا المسجد ومئذنته من مفاخر دولة أبي سعيد عثمان، وهو الذي بني بفاس مدرسة دار المخزن، وكان الفراغ من بنائها في أواخر عام 1321 (720)، وقد كلف ابنه ببناء مدرسة العطارين فبنيت بين سنة 1323/723 وسنة 1325/725.
وقد سميت هذه المعلمة باسم الولي الذي بنيت حول قبره، لكننا لا نعلم شيئا عن سيدي محمد بن صالح، سوى أنه – زعموا – كان جزارا، وأنه من أهل التصرف في حياته وبعد مماته، وقد شاع ذلك في الأدب الشعبي.
قاعة الصلاة من هذا المسجد طولها 35 مترا بالتقريب ولا زخرفة إلا في المحراب. وخطتها في غاية الأهمية ومع الاصطلاحات الكثيرة التي أحدثت على هذه المعلمة، وأخرها بالأمس القريب فالظاهر أنها لم تتغير منذ بناء المسجد. والعقود جميعا ملساء حسنة الرسم رشيقة ولم يعدم المسجد مهابة وجلالا. وهو مسجد على هيئة التاء اللاتينية، بلاطه المحوري أوسع من الثمانية الأخر، وصحنه مستطيل عرضه أكبر من عمقه، تحف به بلاطات وسقائف من جهاته كلها، وفي وسطه صهريج أما أصالة هذه الخطة، ففي بلاطين جانبيين مبتورين فأما البلاط الأيمن منهما، فينتهي عند المحراب، وأما الأيسر، فيوازيه وينتهي على سمت الآخر، ولم نتبين منفعة هذين الرواقين البرانيين، لكننا نسجل – مستغربين – أن هذا الخطة نفسها هي خطة مسجد أبي الحسن بشالة. وليس للمسجد سوى ثلاثة أبواب: واحد في المحور، يقابل المحراب والآخران على جانبي بيت الصلاة، على السقيفتين الأخيرتين، قبل الصحن، وتوجد فيه أيضا تحت مداميك عقود المحراب البويبتان المعتادتان وقبر الولي الصالح في الركن الشمالي الغربي، ويحتل طرف بلاط على عرض سقيفة كاملة. وبالجملة هذا مسجد لا يعدم حسنا، وهو - قال طيراس – نموذج من الرحلة الانتقالية من المساجد العظام القديمة بمراكش، إلى المساجد التي ستبنى فيما بعد.
أما المئذنة، فأنيقة جدا وأكثر زخرفة، وهي الجزء الأهم من المسجد وهي متوسطة الارتفاع، ويعلوها الفحل. وتذكر زخرفتها وهذا أمر غريب بزخرفة مئذنة القصبة، بتشابك آجرها البارز على سطح أخضر فيروزجي، وتظهر الصنعة الموحدية بارزة في القاعدة، وهي من دبش لم يحكم تنجده لكن العصابة الخزفية المعتادة في الأعلى غير موجودة هنا، غير أن زخرفا جديدا وضع تحت المشبكات الهندسية، يفصله عنها شريط من الآجر موضوع على وجهه، وهذا الشريط صفيحة في عرض المشبكات المذكورة، مكونة من عقد كبير من الآجر مفصص متشابك مزخرف الحواشي، وكل ذلك موضوع على سطح خزفي أخضر بديع أيضا.
أما فخل مئذنة مسجد ابن صالح فغاية في تناسق أجرامه، وزادته خفة ورشاقة نافدة وحيدة طويلة على جوانبه الأربعة، وتتوجه كما تتوج المشي فوق المئذنة، شرفات مسننة، وتغطية قبة مضلعة من الطين المطبوخ، دهنت بالأخضر.
والتأثير الموحدي بارز واضح في المسجد وفي المئذنة معا: فالمجموع كله يوحي بالذوق الرفيع، وبالحسن والجمال، والصفاء من البهرج فلذلك نجزم بأن مراكش، في نهاية الربع الأول من القرن 18 (8)، لم تزل مدينة يسكنها الفن والصنعة، ولم يهجرها بعد. وعزا صاحب "السعادة الأبدية" أيضا إلى أبي سعيد بناء مسجد روض الجنة، الذي صار يدعى مسجد روض العروس، ولعل هذا الاسم كان هو أول اسم أطلق على المسجد الموسع اليوم المسمى مسجد سيدي سليمان.

 

يقول دو فيردان: "قاعة الصلاة في هذا المسجد طولها 35 مترا وعرضها 26 مترا بالتقريب. ولا زخرفة إلا في المحراب. وخطتها في غاية الأهمية ... والعقود جميعا ملساء حسنة الرسم رشيقة، ولا يعدم المسجد مهابة وجلالا. بلاطه المحوري أوسع من الثمانية الأخرى، وصحنه مستطيل، وعرضه أكبر من عمقه، تحف به بلاطات وسقائف من جهاته كلها، وفي وسطه صهريج. أما أصالة هذه الخطة، ففي بلاطين جانبيين مبتورين: فأما البلاط الأيمن منهما فينتهي عند المحراب، وأما الأيسر فيوازيه وينتهي على سمت الآخر. وللمسجد ثلاثة أبواب: واحد في المحراب يقابل المحراب، والآخران على جانبي بيت الصلاة على السقيفتين الأخيرتين قبل الصحن..." [2].
أما المئذنة فشيدت في غرة رجب عام 721 هـ موافق 27 يوليوز 1321م، وزخرفت بالزليج الأخضر المركب بالمسامير، بحيث يزال ويرد بدون حفر ولا تقليع.
------
1 السعادة الأبدية 1/66. النسخة المحققة.
2 دوفيردان 347.